فتافيت من قاع الذكريات (2)
والذكريات صدى السنين الحاكي
ثمة ملامح لا تكاد تفارق قاع الذاكرة تلك هي ذكريات المرحلة الوسطى حيث كانت على أيامها من أهم مراحل التعليم في جمهورية وحيد القرن (كان وحيد القرن شعار السودان قبل أن يقوم الرئيس نميري بتغييره بصقر الجديان)، المهم كانت المراحل التعليمية أربعة أربعة أربعة ( ما عارف دى تشكيلة ياتو فريق؟) – فأذكر عندما جلسنا لامتحان الوسطى عام 1969 م أي من الصف الرابع الابتدائي إلى المرحلة الوسطى كنا عدد قليل جداً من أولاد الترتر حيث كانت دفعتي : المرحوم ابن عمتي الأخ/ احمد عبد الرحمن أحمد (له الرحمة) وسوف يأتي الحديث عنه في موضع آخر- إن شاء الله – والإخوة : الأمين الطيب حاج أجمد – بابكر الطيب حاج أحمد ( وكان يلقب بالكنجير) وذلك لأنه سريع الغضب سريع الرضا – التيجاني النعيمة عبدا لعال وكان مشهوراً بحبه لمادة الرياضيات والأخ عبد الباقي محمد دفع الله – والأخ عيسى سليمان النور ومن أبي جريس الأخ الطيب يوسف عبد العليم وهو الآن دكتور في دولة قطر- والاخ /حامد بابكر عبد العليم . وكنا جميعاًً في فصل واحد حيث أنه لا يوجد سوى فصل واحد فقط 40 طالب حسب المنافسة .
وأذكر تماماً صباح يوم 25 /5 / 1969 م حيث كنت أحمل دفتر العيادة من المدرسة مع مجموعة من الطلاب وفي طريقنا إلى العيادة مررنا بالسوق وسمعنا أجهزة الراديو تبث الموسيقى العسكرية وعلمنا أنه حدث انقلاب في الخرطوم ولم نكن وقتها نفهم معنى ذلك كثيراً لكن عندما رجعنا المدرسة وفي المساء جلسنا جوار الراديو الوحيد بالداخلية والتابع لإدارة المدرسة و فهمنا من الكبار أن الذي حدث يسمى انقلاب وان أزهري لم يعد رئيساَ للسودان وأن الرئيس الجديد يسمى بابكر عوض الله (لكن بعد يومين سمعنا اسم نميري وأنه هو قائد الانقلاب) وكان المعلمون بالمدرسة كثيرا ما يقومون بتنويرنا بمثل هذه الأشياء حتى أنه عندما توفى جمال عبد الناصر قرع جرس الطابور في منتصف النهار وخرجنا من الفصول مذعورين حيث أن الجرس لا يقرع في ذلك الوقت إلا لأمر خطر – وعندما خرجنا أوضح لنا الناظر أن الرئيس جمال عبد الناصر قد توفى وأمرنا أن نصلى عليه صلاة الغائب وكانت هذه هي أول مرة أصلى فيها مثل هذه الصلاة وكان بعض الظرفاء من الطلاب أو سمهم (الملاعين ) يتهكمون من ذلك خاصة وان الناظر (محمد مبارك) أبوسبيحة كما يسميه الطلاب كان يبكي (والناظر كان رجل تيجاني متصوف يحمل سبحته معه على طول) ولا يفطر مع المعلمين باعتبار أن فيهم مسيحيون أمثال أستاذ الانجليزي الجنوبي أستاذ/ قرنق أليو مجوك.
وعلى ذكر الأساتذة كان أول ناظر عاصرناه بمدرسة العباسية تقلى الوسطى هو الناظر يوسف المبارك وجاء بعده الناظر محمد مبارك ثم الناظر أحمد على جابر من رفاعة وأظنه هو صاحب مدارس عرفت باسمه هناك – اما من المعلمين : فأذكر منهم أستاذ /حسونة (لغة عربية) وأستاذ/ حسبو (تربية إسلامية) وأستاذ/ صباحي من كالوقي (مولانا) عربي ودين خريج الأزهر وأستاذ/ جاجا أتوش الدومة –إنجليزي و أستاذ / سليمان دلبون ومهما انسي فلن أنسى أبداً استأذنا في اللغة العربية المتميز جداً الأستاذ: طه عبد الله من المسيد وقد درسنا في الوسطى وفي الثانوي أيضا (مخضرم) وقد تأثرت به كثيراً في طريقة شرحه لقواعد اللغة العربية وكان الموجهون الذين يزورون المدرسة من وقت لآخر كثيراً ما يشيدون به حسب ما نسمع ممن هم حولنا من الكبار. وكذلك الأستاذ/ محمد عثمان من ودبندة والأستاذ/ حالد (علوم ) وكان الطلاب يقولون ان أستاذ/ خالد ذكي جداً حتى أن( نافوخه) مازال يطق في أعلى رأسه مثل( نافوخ) الطفل ويقولون أن هذه من علامات الذكاء الحاد . وأستاذ/ عباس الباسم (لأنه لا يعبس أبداً حتى في أحلك اللحظات) وكان يدرس مادة العلوم أيضاً . ولن أنسى أيضا الأستاذ/ الجليل المتميز في الرياضيات والانجليزي ولكن فيل ذلك كله كان ضابط داخلية صارم جداً الأستاذ/ أحمد جبارة ضاوى والذي شرفنا ضابطاً لمجلس الترتر بعد أن ترك مهنة التدريس. أما من أبناء العباسية نفسها الأستاذ/ الخلوق المنضبط جداً فيما يتعلق بالزمن حتى كنا نعرف زمن الجرس عندما يحضر ماشيا من منزله إلى المدرسة وبمجرد وصوله نسمع جرس الطابور وكان أنيقاً جداً في ملبسه ذلكم هو الأستاذ/ سيد آدم نور الدين من رشاد وأخوه أستاذ/ التجاني آدم نور الدين وكذلك أستاذ/ إدريس آدم نور الدين (كهران) ... وغيرهم من الاساتذه الأجلاء .
وكانت المدرسة أشبه بالمعسكر من شدة الانضباط حيث أنه بعد انتهاء اليوم الدراسي مباشرة يدق جرس الغداء تليه فترة الراحة (يعنى حوالي ساعتين تكون في سرير من غير إزعاج إما تنام أو تقرأ في كل الداخليات الثلاث : (جيلى وحتيلة ودامبير) وقد تم تغيير أسماء الداخليات فيما بعد . .بعد الراحة تبدأ المناشط كرة قدم –طائرة – كرة المضرب –سلة أو تمشي المكتبة تقرأ كتب ثقافية – بعد المناشط وقبل المغرب يضرب جرس التمام والويل لمن يتخلف عنه – ثم بعد صلاة المغرب تبدأ المذاكرة( بالرتينة ) حيث لا توجد كهرباء وكان الأخ الفراش حسين جريقندي يقوم بالأشراف على أمر( الرتاين) من جاز وشاشات وأحيانا يساعده خفير المدرسة المرحوم : العم : موسى أحمد شاكر أما مصطفى فكان يرتبط في أذهاننا بالامتحانات لأنهم كانوا يرسلونه إلى أم روابه لطباعة الامتحانات. وكنا نفرح كثيراً عندما (تنحت) شاشة
( الرتينة) لان هذا يعني أن المذاكرة (طرشقت) – وبعد المذاكرة العشاء وألذ فترة هي بعد العشاء حتى جرس النوم لأنها فرصة للسمر حيث نتجمع مجموعات نتسامر ونضحك ونعيد طرائف اليوم الدراسي.
وبالمناسبة نحن الدفعة الوحيدة في السودان التي درست الوسطى خمس سنوات حيث تغير فينا السلم التعليمي. فبعد أن أكملنا أولى وثانية وسطى قالوا لنا السنتين( ديل) اعتبروها خامسة وسادسة وعليكم قضاء ثلاث سنوات أخرى هي عبارة عن ما سمى بالثانوي العام لذلك جلسنا لامتحان الثانوي العالي سنة 1974 م . طبعا بعد الفصل الذي تم فبولنا فيه للسنة الأولى تم افتتاح فصل آخر إضافي وتم قبول طلاب جدد آخرين وكنا نسميه (فصل نميري).
وقد سبقنا طلاب من الترتر بالعباسية الوسطى فعندما كنا في السنة الأولى وسطى كان في السنة الثانية الأخ/ النور الريح النور – والأخ / عبد الرحيم المهدي والأخ/ حسن ليما حامد والأخ/ محمد إسماعيل (شارنكيف) من أم مناقير – والأخ/ سعيد على النور ( الترتر ثم كالوقي) ومن كالوقي معه الأخ/ إبراهيم العالم. وأما من كان في الصف الثالث وسطى : الأخ/ عبد الباقي أحمد النور – والأخ/ حبيب الله عبد الباقي أبو نخل – والأخ/ الجيلي عبد الباقي أبو نخل – والأخ/ صالح الطيب حاج أحمد – والأخ/ محمد موسى (كافينول) – والأخ/ محمد عبد الباقي الطريفي –و الأخ / والفاتح حسونة حسن .
وأما من كان بالصف الرابع وسطى من أبناء الترتر : عبد القادر حاج أحمد (الخوارزمي) – ومحمد الحسن أيونخل ( ال shameful ) – ومحمد احمد خضر (شقيق على خضر والد لاعب المريخ الشهير (سفاري)- وعز الدين مصطفي مدثر. وبقية الزملاء وسوف أتطرق لهم في حلقة أخرى من (فتافيت الذكريات 3) وما يتعلق بهم من مواقف وطرائف إن شاء الله.
مختار الحاج عبد الرزاق – e-mail:
terter17@hotmail.com