[b
] فتافيت من قاع ذكريات ( 1 )
والذكرياتُ صدى السنين الحاكي
لقد تغير الطقس كثيراً في السنوات الأخيرة . ربما لأننا كنا صغاراً. أذكر أن البرد كان قارصاً جداً في الترتر في الستينات . وقد كنت وقتها طفلاً صغيراً أدرس في مدرسة الترتر الابتدائية وكنت وقتها في الصف الاول الابتدائي وكنت أقطع المسافة من قرية الحطب في أقصى شرق الترتر الى السوق حيث المدرسة وكانت عائلتي تسكن الحطب لفترة مؤقتة لان والدي رحمه الله كان يعمل خفيراً لحفيرة الحطب مما أتاح لى فرصة طفولة مرحة وذات صلة بالطبيعة البرية الجميلة. ومهما أنسى فلن أنسى منظر الأزهار والقمري والطيور المختلفة والفراشات ( أبدالدقيق) في الحفيرة بألوانه الزاهية وصمغ الهشاب والطلح ...الخ وكانت تسكن جوارنا عائلة ادريس ود نقودى وكان ادريس أكبر مني كثيراُ في العمر لذا تعلمنا منه كيف نقبض الطير بالشرك الذي كنا نصنعه من سبيب طنب البقر أو بالعنبة وهى مادة لزجة جدا نمضغها مثل اللبان ثم نضعها على الأعواد قرب مورد الطير الذى نعرف كافة أنواعه .... المهم كان البرد قارصاً جداً مما يجعلني في بعض الأحايين أتمرد على الذهاب الى المدرسة ولكن والدي رحمه الله كان يقدمني مسافة بعيدة تصل أحياناً حتى بلاد عمنا (بخيت ودإفس).
ولا يوجد عدد كبير من أولاد الحطب أولاد الدقالشة في ذلك الوقت بالمدرسة ولكني أذك تماماً زملائي من الحطب وهما : محمد عبد العال – وأبشر جبارة – الله يطراهم بالخير – كنا كثيراً ما نذهب سوياً الى المدرسة . بالاضافة الي محمد ادريس (أبشرابيك) وحماد التوم من القراديد. وكنا بالاضافة الي شنطة الدمورية حقت الكتب كان الواحد منا يحمل عصاة ( من أبضلوع ) ذات (كرادم) حيث أنه عيب أن يسير الرجل كل هذه المسافة من غير عصا (هسع كان لاقاك كلب ساى تحاحيه بايديك ؟ واه ) جملة كثيراً ما نسمعها من الكبار. غير أننا عندما ننزل من ترتر عياش نقوم باخفاء العصي داخل أشجار اللعوت التى كانت تنتشر في تلك المنطقة – وانت نازل من ترتر عياش – الآن طبعاً غابة اللعوت هذه اندثرت وحلت محلها منازل أخونا عبد الحليم عبد الملك. المهم كنا نخبىء العصي هناك لحين عودتنا وذلك لان الناظر لا يسمح بها بالمدرسة وحتى لا يضحك علينا اولاد السوق ويعروننا بأننا عرب أجلاف. ورغم بعد المسافة هذه كنا نصل في مواعيد الطابور ولا نتأخر حتى لا نتعرض للضرب بأسواط النيم . تخيلوا طفل في الصف الأول الابتدائي يقطع كم كيلو يوميا من الحطب الى داخل الترتر الذى هو down town بالنسبة لتلك الضاحية . أما في طريق العودة فقد أكون محظوظا احيانا واصادف سفنجة (لورى) حاج الطيب حاج أحمد ذاهب الى الحفيرة لتعبئة براميل الموية لعمال الزراعة وفى هذه الحالة قد اذهب وارجع تانى معاه ثم اعود بالارجل لمجرد ركوب اللورى ! .
وأذكر أول ناظر لنا كان أحمد على مريود من العباسية تقلى وكان يدرسنا العربى ولا انسى ضربة كفه عندما انسى كتابة الف المد او همزة القطع. ثم جاء بعده الناظر الفاضل حسن عبد القادر من اهالى شندى ثم جاء بعده الناظر مكي ماريق من الموريب ثم جاء بعده الناظر محمد عبد الله المرضي من ام دورين وهو الذى امتحنا للوسطى في زمنه وقد احرزت فيها المركز الاول على جميع تلاميذ المناطق المتنافسة (الترتر – العباسية – تبسة – كرموقية – رشاد – ابكرشولا – المريب ) لاحظ شدة المنافسة بين كل هذه المدارس يتم قبول اربعين تلميذ فقط للوسطى ! – المهم سوف اتناول ذكريات الوسطى في حلقة اخرى من (فتافيت الذكريات) ودعونى اتحدث قليلا عن الناظر محمد عبد اله المرضى . فقد كان رجلا ورعا جدا يقيم الليل. واذكر انه فى مرة من المرات حدثت ازمة في مياه الشرب وقل ماء البير(ام جبادة) حيث يتم اخراج الماء بالدلو - هذا قبل تاسيس الدونكى – فجاء الناظر في وقت العصر الى خالي العمدة احمد النور – رحمه الله – وناقشه في مسألة الماء بالنسبة للتلاميذ حيث ولم تن هناك امكانية لاحضار فنطاظ من العباسية . وفى الصباح دق الناظر جرس الطابور بنفسه ثم خطب فينا شارحا ازمة الماء وان( أمنا البير) قد نضب ماؤها مهما (كحلوها) وتكحيل البير يعني تنظيفها من الرواسب حتى تجم مرة اخرى ..وليس امامنا سبيل سوى التوسل الى الله وجل فذهب بنا جميعا الى البير(مسيرة صامته من المدرسة حتى الجيلاب) حيث وقفنا امام البير ودعونا الله ثم عدنا . فى اليوم التالى جاءت الاخبار السارة بان احدى عيون البير قد انفتحت وعاود السقا (يحي الحمري ) وصوله بالخرج تلو الآخر الى المزيرة .
والى اللقاء في فتافيت من الذكرى(2) ان شاء الله.
مختار الحاج عبد الرزاق
1/3/2012 م[/b]