فتافيت من قاع الذكريات (3)
مدرسة العباسية تقلي الوسطى (1969 -1974 )
ونحن طلاب بالوسطى كنا الدفعة الوحيدة في السودان التى درست المرحلة الوسطى خمسة سنوات وذلك نسبة لتغيير السلم التعليمي في نفس السنة التي تم قبولنا فيها بالوسطى . حيث كان السلم التعليمي هو نظام ( 4-4-4 ) فأصبح (6-3-3) والان هو طبعا نظام القفز بالزانة (3 – 8 ) يعني كدا وزاد وجدى كما يقولون. ولا أخفي بعض الشعور بالملل من طول المرحلة خاصة في بداية زمن نميري كانت الإضرابات الطلابية كثيرة وغالبا ما يتم تعليق الدراسة لعدة اسابيع ثم العودة مرة اخرى للمدرسة وكان اهم شى للطالب هو اللمبة الفانوس واللحاف لان الكهرباء لم تكن متوفرة في ذلك الوقت. وطبعا عندما يقترب موعد الاجازة نتخلص من بقية الجازالذى في الفانوس من خلال لعبة خطرة بعض الشىء وهى بخ الجاز بالفم في الهواء واشعال عود ثقاب (قشة كبريتة) في نفس الوقت (ألعاب نارية على قدر الحال). وبعض الطلاب يحضرون معهم الخبيز في (المقرون) وهو عبارة عن صفيحتين من الحديد مقرونتين مع بعضهما باللحام وعليهما قفل بالطبلة (كاتو) وكاتو هذه طبلة صينية يمكن لاى مفتاح أن يفتحها بل عندما يضيع مفتاحها كنا نفتحها بالسلك. يعني المهم تقفلها وتتوكل من باب لو كسروها (ماضروري المفتاح معاى) مثل الساعة الامدرمانية وهى ساعات أظن أن تجميعها يتم في امدرمان وعليك أن تملأها (بالزمبرك) على رأس كل ثلاث ساعات تقريبا وأعطالها كثيرة جدا ونادرا ما تكون مضبوطة وأذكر أن الاخ التجاني النعيمة لدية واحدة أتعبته بكثرة التصليح حتى أصبحت مكان تندر بين الاصدقاء. واكثر الطلاب حظاً هم الذين يأتيهم البص في نفس يوم الاجازة وكان سائقو البصات يقلدون الاغاني بواسطة (البوري) مما يخلق حنيناً وشوقاً للسفر والطلاب الذين يركبون البص يطالبون السائق بذلك من باب (حدق لقلق) للطلاب الاخرين (يعني شوفونا خلاص مشينا ). هذا طبعا بالنسبة للطلاب أمثال أولاد رشاد وغيرهم أما نحن أولاد الترتر فلم تكن لدينا بصات بل عربات.
كانت ظروف التحول المفاجىء من الابتدائية للوسطى والبعد من الاسرة في تلك السن عوامل قد أثرت على مستوى التحصيل الاكاديمي للكثير من الطلاب وأنا واحد منهم حيث أنني لم أتمكن من المحافظة على مستواى طيلة السنوات الخمس. وقد ظهر منافسون أقوياء كما ذكرت أمثال الاخ الهادى عجيب (أصلاً من المناقل) والاخ أحمد بابكر جاه الله والاخ المليح مقدم الماحي والاخ احمد حسن مرسال (من أبي كرشولا) وبالمناسبة أولاد أبكرشولا كانوا متميزين واستطاع الكثير منهم المحافظة على مستواه أمثال الاخ بكر موسى إيدام –(كان أول دفعته) والأخ آدم الأمين عجيل(كان أول دفعته أيضاً) . وكنا نسمع أحياناً بما يسمى بالذكاء المتأخر فقد لمع طلاب لم يكونوا متميزين في الابتدائية ولكنهم فجاة (قبضوا راس الخيط) واذكر منهم الاخ العزيز الطيب يوسف من ابي جريس والاخ كباشى مدنى من العباسية والاخ بشير الطاهر من الدبيبات والاخ ابراهيم نورين من الدبيبات ايضا والاخ على شاع الدين ..وغيرهم اصبحوا متميزين جدا.
وكان أهم شىء يوم الخميس بعد الحصة الاخيرة هو الجرى والتسابق الى الحمامات وذلك لحجز (الطشاطا) للغسيل (البغسل بدرى برتاح طبعا) ويكون عنده وقت كافي يمكنه من الذهاب الى (جومت) يوم الجمعة للنزهه . و(جومت) هذه غابة قريبة من المدرسة. وكان بعض الطلاب لديهم هواية ترويج الاشاعات مثلا فجأة ينتشر خبر بان المدرسة الفلانية قفلوها وأن العام الدراسي سيتم تجميده – وأن داخلية (دامبير) مسكونة و(دامبير) هذه مسماة على جبل دامبير بالعباسية باعتباره من المعالم التاريخية بالمنطقة – هذا وقد أقسم احد الطلاب المشهورين بالخوف أنه سمع أصوات (الطشاطا) تتحرك براها في منتصف الليل . والداخليات كانت ثلاث داخليات : داخلية دامبير – وداخلية حتيلة (مسماة على رجل البر والإحسان عبد المجيد حتيلة – ثم داخلية جيلى (مسماة على المك آدم جيلى).
وكانت هناك بعض الزيارات من مدارس مجاورة فقد زارنا طلاب مدرسة تندلتي الثانوية العامة – وقد علق بعض الطلاب أننا كدنا نغلبهم في مباراة كرة القدم لولا غياب اثنين من أشهر لاعبي الفريق وهما : النور كمندان – وسهم على الحاج- كما زارنا وطلاب مدرسة أبي جبيهة الثانوية العامة وقد قدموا أعمالا جميلة بالمسرح واذكر ان اولاد ابي جبيهة أبدعوا في تقديم ملحمة اكتوبر للفنان محمد الامين واجادوها بشكل خيالي كما قدم احدهم درساً دينيا بمسجد العباسية تقلي عقب صلاة الجمعة لا تصدق أن المتحدث هو طالب مرحلة متوسطة. لكن بكل أسف لم تكن وسائل التسجيل متوفرة حتى يتم توثيق هذه الاحداث حتى في الثانوي في مدرسة كادوقلي الثانوية (تلو) 1974 – 1977- كانت هناك مواهب فذه في مجال الفن مثل الطالب(كوراك) وكان مشهورا بتقليد أغاني الفنان ابراهيم الكاشف بطريقة مدهشة ومعه (نوجة) ود الخور .. وفي مجال الرياضة اذكر الاخ حسن ابراهيم شجر (من الموريب) وحسن شجر هذا كانت له قصة عجيبة ادت الى اضراب الطلاب عن الدراسة وذلك عندما كان يلعب الكوتشينة يوم خميس بالداخلية – رغم انها ممنوعة بعض الشىء- واختلف مع الاخ بابكر الطيب (من الترتر) ورغم كبر حجم شجر وقلة حجم الاخ بابكر الا ان شجر قام بصفع الأخ بابكر على وجهه بطريقة قوية فتم على الفور فصل الطالب حسن ابراهيم شجر من المدرسة نهائيا فقام الطلاب وقعدوا وانعقد الاتحاد واعتقد انه في ذلك الوقت كان برئاسة الأخ يوسف كنجة (من أبناء كادوقلى) وقررنا عدم الذهاب الى المدرسة غدا (بيتنا النية تب) باعتبار انهما زملاء مهما اختلفا وان ادارة المدرسة غير مضطرة الى هذا الحل وبالفعل رن جرس الدراسة في صبيحة الغد والطلاب (دى بي طينة ودى بعجينة) قاعدين في الداخليات منتظرين جرس الفطور بس .وأعتقد أن مدير المدرسة في ذلك الوقت هو (عبد الله أحمد ونسي) – المهم بعد مداولات بين الادارة والاتحاد تقرر اعادة الاخ شجر وعقد صلح مع الزميلين وعادت المياه الى مجاريها.
وطبعا مدير المدرسة ونسي أصبح فيما بعد مديرا لجامعة افريقيا العالمية وهو أهل لذلك وهو رجل حكيم جدا حتى عندما كان مديرا بالثانوى ومن الطرائف أن الطلاب سمعوا ذات مرة بان طلاب خور طقت والابيض قد اضربوا عن الدراسة وهمس البعض بمجاراتهم ووصل الخبر إلى المدير فما كان من المدير الا ان جمع الطلاب كلهم واذكر أنه بدأ كلمته بالآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم ناديمين) فانفجر الطلاب بالضحك لموافقة المقام والمقال وكانت هذه فقط كفيلة بان تثني الطلاب عن القيام بالاضراب. ولان المدير كان من لقاوة يذكرني بالزملاء من لقاوة أمثال: جودات سالم جودات- واحمد نصر – وعجال محمد صالح – واحمد الدبة حسن – وتحاميد ..ممن كنت اسكن معهم في نفس العنبر لهم التحية.
ومن الانشطة رحلة جمعية التاريخ بقيادة الاستاذ الجليل (أستاذ: الزاكى) أستاذ التاريخ وكانت إلى جمهورية مصر العربية ولكن بكل اسف أنا شخصيا لم أتمكن من المشاركة فيها والذهاب الى أرض الكنانة والأهرامات لعدم تمكنى من دفع رسوم المساهمة فيها رغم انها كانت رمزية لان الرحلة كانت مدعومة من المدرسة – ولكنى لن انسى رحلة محلية قمنا بها الى بحيرة كيلك ومعنا الخواجة مستر بوب وزوجته – لن انساها لانننى كدت ان اغرق بعد محاولة السباحة في البحيرة وكنت اطنها ضحلة مثل الحفيرة ولكن الله لطف حيث أمسك بي بعض الزملاء فى الوقت المناسب وطبعا لم نتحدث عن ذلك حتى لا يقوم الاساتذه بمنع السباحة نهائيا.
مختار الحاج عبد الرزاق
&&&&&&&&